Featured Video


 التحليل السّيميائي للقصّة تطبيق عملي على القصة القصيرة
ترجمة:د.قاسم المقداد
سنعرض ترجمة لإحدى التطبيقات العملية لنموذج جريماس، على قصة للأديب الفرنسي الفونس دوديه (1840-1897)، أشير إلى أني حاولت البقاء قريباً من تراكيب النص الفرنسي للقصة، لضرورة التحليل.
القصة*:
عنزة السيد سيجان: إلى السيد غرينغوار الشاعر الغنائي المقيم في باريس.
ستظل دائماً كما أنت أيُّها المسكين غرينغوار!.كيف لك أن ترفض وظيفة كاتب وقائع في صحيفة باريسية جيدة! لكن، انظر إلى كلامك أيُّها الولد التعس. انظر إلى صدرتك المثقوبة، وهذه الجرابات الفوضوية، وهذا الوجه الناحل الذي يصرخ جوعاً! ومع ذلك، فهذا هو المآل الذي قادك إليه ولعلك بالقوافي الجميلة. وهذا هو رصيدك بعد عشر سنوات من الخدمات الوفية على صفحات السيد أبولو. أولست خجلاً، في نهاية المطاف! أقبل وظيفة كاتب وقائع، وستربح الريالات، وستصبح لك طاولة في مطعم بريبان وستقضي أحلى الأيام بريشة جديدة تعلقها على قلنسوتك. لا؟ لا تريد؟ أن تزعم البقاء حراً على هواك حتى النهاية. حسناً. استمع إذاً إلى قصة عنزة السيد سيجان، وسترى ما ينال المرء إذا أراد العيش حراً.
 لم يذق السيد سيجان أبداً طعم السعادة مع عنزاته إذ كان يفقدها كلها بنفس الطريقة: ففي الصباح كانت العنزات تقطع حبالها وتذهب إلى الجبل، حيث كان هناك ذئب يفترسها. ولا شيء كان يردعهن. لا شيء. لا مداعبات سيدهن، ولا خوفهن من الذئب. على ما يبدو كن عنزات مستقلات. فقد كن يردن الهواء الطلق والحرية مهما بلغ الثمن. أما السيد سيجان الطيب، والذي لم يكن يفهم شيئاً عن طباع عنزاته، فقد كان حائراً في أمرهن. وكان يقول:
"انتهى الأمر. إن الملل يصيب العنزات عندي. لذا لن أحتفظ ولا بواحدة".
ومع ذلك، لم تثبط عزيمته. فبعد أن فقد ست عنزات بنفس الطريقة، راح واشترى واحدة سابعة. لكنه حرص هذه المرة على أن يشتريها صغيرة لتعتاد بشكل أفضل على البقاء في بيته.
آه، يا غرينغوار! كم كانت جميلة عنزة السيد سيجان تلك، بعينيها الوادعتين ولحيتها التي تشبه لحية ضابط صف، وبحوافرها السوداء اللامعة وقرنيها المخططين، وشعرها الأبيض الطويل، الذي كان يشكل لها دثاراً فضفاضاً. لقد كانت روعتها تشبه روعة جدي أزميراك.. أتذكر ذلك يا غرينغوار؟ زد على ذلك طواعيتها ومحبتها للمداعبة. وكانت، عند الحلب، تستسلم بلا حراك، ودون أن تضع قائمتها في القصعة، لقد كانت عنزة صغيرة لطيفة.
كان السيد سيجان يملك خلف منزله زريبة تحيطها نباتات الزعرور، فوضع فيها المستأجرة الجديدة. وكان يربطها إلى وتد في أجمل مكان من المرعى. وكان حريصاً على أن يطيل لها الحبل. وكان من وقت لآخر يأتي ليطمئن عليها. كانت العنزة تحس بسعادة فائقة. وكانت ترعى العشب بحب كبير لدرجة أن السيد سيجان كان سعيداً بذلك.
"أخيراً، قال الرجل المسكين لنفسه: هذه عنزة لن يصيبها الضجر عندي".
لكن السيد سيجان كان مخطئاً، إذا سرعان ما ضجرت العنزة.
ذات يوم، بينما كانت العنزة ترنو ببصرها نحو الجبل، قالت لنفسها: "لا بد أن الحياة جميلة، هناك، فوق! فما أمتع أن قفز بين نباتات الخلنج، لولا هذا الرسن الذي يسلخ رقبتي! أن الرعي في المراعي يناسب الحمار أو الثور، أما الماعز فيحتاج إلى المدى".
وبدءاً من هذه اللحظة بدا لها عشب الزريبة تافهاً. وغزاها الضجر. فنحل جسمها، وندر حليبها. وكان منظرها يثير الشفقة وهي تجر رسنها ورأسها يتجه نحو الجبل. وكان منخارها مفتوحاً وهي تقول: "ماع" بشكل حزين.
كان السيد سيجان يلاحظ أن عنزته كانت تعاني من أمر ما. لكنه لم يكن يعرفه.
ذات صباح، وبعد أن أنهى حلبها، استدارت العنزة نحوه وقالت بلكنة محلية: "اسمع يا سيد سيجان أن جسمي يهزل عندك، دعني أذهب إلى الجبل!".
-يا إلهي! هي أيضاً". صاح السيد سيجان مندهشاً. وفجأة ترك القصعة تقع على الأرض ثم جانب عنزته على العشب وقال:
"كيف يا بلانكيت تريدين تركي؟!". فأجابت بلانكيت: "نعم يا سيد سيجان". -هل العشب يعوزك هنا؟- لا يا سيد سيجان. قال: -يبدو أن حبلك قصير. أتريدين أن أطيله لك؟ أجابت: -لا داعي لذلك يا سيدي سيجان. قال:
-إذن، ما الذي تحتاجين إليه؟ ماذا تريدين؟". أجابت: -أريد الذهاب إلى الجبل يا سيد سيجان. أجاب: -لكن، لسوء حظك أنك لا تعرفين أن الذئب هناك في الجبل، فماذا أنت فاعلة إذا جاء إليك؟ أجابت: -سأنطحه بقرني يا سيد سيجان. فقال: -الذئب لا يعبأ بقرنيك. هل تعرفين العنزة المسكينة رونود، التي كانت قبلك هنا؟ لقد كانت عنزة سيدة، قوية وخبيثة كالتيس، تعاركت مع الذئب طيلة الليل، ثم أكلها في الصباح. أجابت: -يا للعنزة المسكينة! ومع ذلك دعني أذهب إلى الجبل، يا سيد سيجان. فقال: -يا للسماء ما الذي يجري لعنزاتي؟ هذه واحدة أخرى سيأكلها الذئب.. حسناً. سأنقذك رغماً عنك أيتها الملعونة، وحتى لا تقطعي الحبل، سأحبسك في الإسطبل حيث ستبقين دائماً.
ثم حمل السيد سيجان العنزة إلى الإسطبل وأغلق بابه بقطعتين. ولسوء حظه كان قد نسي النافذة. فما أن أدار ظهره، حتى خرجت الصغيرة.
أتضحك يا غرينغوار؟ تباً لك. أعتقد أنك تقف في صف العنزات، ضد السيد سيجان المسكين.. سنرى إن كنت ستضحك بعد قليل.
عندما بلغت العنزة البيضاء ظهر الجبل عمت الفرحة فيه إذا لم يسبق للسنديان العتيق أن رأى جمالاً كجمالها. واستقبلت كما يليق بملكة صغيرة. كانت أشجار الصنوبر تنحني لدى مرورها، وتطلق عبقها الجميل ما أمكنها ذلك. وأقام الجبل كلها لها احتفالاً.
إنك تفكر يا غرينغوار فيما إذا كانت عنزتنا الصغيرة سعيدة حيث لا حبل ولا وتد. ولا شيء يمنعها من القفز والرعي كما يحلو لها. كان العشب يغطي قرنيها يا عزيزي! وأي عشب! لذيذ وناعم ومخرم من ألف نبتة ونبتة. لقد كان مختلفاً عن عشب الزريبة. أما الورود! هناك الجريسيات الكبيرة الزرقاء، والقمعيات الأرجوانية ذات الكؤوس الطويلة، إنها غابة من الورود البرية الطافحة بالانساغ المسكرة.
كانت العنزة، نصف سكرانة، وتتمرغ، قوائمها في الهواء، وكانت تتدحرج على طول المنحدر، وتختلط بالأوراق الساقطة والصنوبر.. ثم كانت تنهض فجأة قافزة على قدميها.. هوب.. هاهي تنطلق ورأسها إلى الأمام، عبر الأدغال والمباقس، تارة فوق القمة، وطوراً في أعماق الوادي، فوق، تحت،.. وفي كل مكان.. وكأن هناك في الجبل عشر عنزات للسيد سيجان، لأن بلانكيت لم تكن تخاف شيئاً. بقفزة واحدة، كانت تجتاز السيول الكبيرة التي كانت تلطخها عند مرور الغبار الرطب والزبد. وبينما كانت ترشح ماءاً، كانت تذهب لتتمدد فوق صخرة منبسطة وتجفف نفسها تحت الشمس. ذات مرة، بينما كانت تتقدم على حافة الهضبة.. لمحت هناك، تحت، بعيداً في السهل منزل السيد سيجان والزريبة خلفه، فضحكت حتى انهمرت دموعها، وقالت: "ما أصغره! كيف طقت العيش فيه". وحينما رأت المسكينة، نفسها معلقة فوق، كانت تحسب نفسها، على الأقل، كبيرة كالعالم.
باختصار، كان يوماً جميلاً قضته عنزة السيد سيجان. وعندما انتصف النهار، وبينما كانت تركض يمنة ويسرة وقعت على قطيع من الشاموا وهي تقضم الكرمة البرية بأسنانها الجميلة. فأثر المنظر بعداءتنا الصغيرة ذات الثوب الأبيض. فقد أفرد القطيع لها أفضل مكان في الكرم. وكان أولئك السادة بالغي اللطف ويبدو أن –ينبغي أن يظل هذا الأمر سراً بيننا باغرينغوار- شاموا شاباً ذا وبر أسود قد أسعده الحظ وأعجب ببلانكيت. وتاه العاشقان في الغابة ساعة أو أكثر. وإذا أردت أن تعرف ما قالاه بينهما سل الينابيع الثرثارة التي تسري بين الأعشاب.
فجأة، صار الهواء رطباً، والجبل مخيفاً. إنه الماء. هل حان الوقت؟ قالت العنزة الصغيرة لنفسها، وتوقفت مندهشة.
في الأسفل كانت الحقول غارقة في السحاب وكان زريبة السيد سيجان تتوارى خلف الضباب، ولا يرى من المنزل الصغير سوى السطح وبعض الدخان. أصغت العنزة إلى أصوات أجراس قطيع كان يعود به أصحابه إلى المنزل، فشعرت بحزن كبير. وحف بها سنقر بجناحيه أثناء عبوره. فارتعدت. ثم سمع صوت عواء في الإنجيل.. "عو.. عَو". فخطر الذئب ببالها.
لقد قضت المسكينة يومها دون أن تفكر به وفي نفس اللحظة صدر صوت بوق بعيد في الوادي كان هذا هو السيد سيجان الذي يحاول بذل آخر جهد له.
وكان الذئب يعوي "عو..عو"..
-عودي. عودِي. كان البوق يصرخ.
رغبت بلانكيت بالعودة. لكن تذكرها للوتد والحبل وقصب الزريبة، جعلها تظن أنها لم تعد قادرة على تحمل مثل هذه الحياة وأنه من الأفضل لها أن تبقى حيث هي.
انقطع البوق عن الصياح.
سمعت العنزة، خلفها حفيف أوراق الشجر. استدارت فرأت في عتمة الليل أذنين قصيرتين منتصبتين وعينين لامعتين.. إنه الذئب. ضخم. ثابت ومقعٍ على مؤخرته. كان هناك، يرمق العنزة الصغيرة البيضاء ويتذوقها سلفاً. ولأنه الذئب، كان يعرف بأنه سيأكلها. لذلك لم يكن مستعجلاً: وحينما استدارت نحوه عندها فقط، شرع يضحك بخبث:
"ها.. ها.. عنزة السيد سيجان الصغيرة".. ومرر لسانه الضخم الأحمر فوق مشفريه الذئبيين.
شعرت بلانكيت بالضياع. ومرت لحظة حينما تذكرت قصة العنزة رونود العجوز، التي ناضلت طيلة الليل لكي تنتهي مأكولة في الصباح. فقالت في نفسها: ربما من الأفضل أن تقدم نفسها فريسة للذئب فوراً. ثم غيرت رأيها. وقعت. رأسها منخفض، وقرنها نحو الأمام كعنزة باسلة يوم كانت من عنزات السيد سيجان ليس لأنها تأمل في قتل الذئب –فالماعز لا يقتل الذئب- إنما لترى إذا كانت قادرة على الصمود مثلما صمدت رونود. عندئذ، تقدم الوحش. وبدأ القرنان الصغيران بالرقص.. آه! يا للعنزة الباسلة كم كانت ساذجة. لا أكذبك يا غرينغوار إنها اضطرت الذئب على التراجع أكثر من عشر مرات لكي يلتقط أنفاسه. خلال هذه الهدنات التي لم تدم أطولها أكثر من دقيقة، كانت الشرهة تستعجل لاقتطاف بعض العشب، ثم كانت تعود للقتال وفمها مليء. واستمر ذلك الأمر طيلة الليل. ومن وقت لآخر كانت عنزة السيد سيجان ترمق النجوم المتراقصة في كبد السماء المضاءة، فتقول لنفسها: "أوه، ليتني أصمد حتى الفجر".
كانت النجوم تنطفئ واحدة تلو أخرى، فضاعفت بلانكيت من ضربات قرنيها. أما الذئب فكفاه ضربة واحدة من أسنانه.
ضوء باهت لاح في الأُفق، وانطلق صياح ديك أبح من إحدى المزارع.
"أخيراً!" قالت المسكينة التي لم تكن تنتظر سوى طلوع النهار، لكي تموت.. وتمددت فوق الأرض بثوبها الأبيض الجميل الملطخ بالدماء. بينما رمى الذئب بنفسه فوق العنزة الصغيرة وافترسها.
وداعاً يا غرينغوار:
القصة التي استمعت إليها ليست حكاية من اختراعي. إذا ما جئت يوماً إلى بروفانس فغالباً ما سيحكي لك الفلاحون قصة عنزة السيد سيجان التي قاتلت الذئب طيلة الليل ليأكلها في الصباح.
إنك تسمعني جيداً يا غرينغوار: ثم أكلها الذئب في الصباح.
*تحليل القصة:
في تحليلنا للقصة السابقة نقترح الإجراءات التالية:
1-تقطيع النص إلى مقاطع.
2-استخلاص البنية السردية.
3-توضيح المضامين الدلالية بالاستعانة بالمربع السيميائي.
ملاحظة:
قصة "عنزة السيد سيجان" تتخذ شكل قصة (خرافة، حكاية شعبية) مندمجة في عملية اتصال على شكل رسالة موجهة من دوديه إلى غرينغوار. فهل هي فعلاً حكاية شعبية بروفانسية (ريفية) أم هي محاكاة قام دوديه بتركيبها. وما هي العلائم التي تدل على بروفانسيتها؟
متلقي الرسالة غرينغوار شاعر غنائي مقيم في باريس. فهل هو شخصية حقيقة أم وهمية؟ وما مدى العلاقة بين القصة والرسالة؟ (العنزة ترمز إلى غرينغوار نفسه، والقصة تشكل تحذيراً من دوديه إلى الشاعر الذي يرفض وظيفة محرر وقائع لأنه يريد الاحتفاظ بحريته. لن نجيب عن هذه الأسئلة هنا فقد تكفل بها روبيرلافون وفرانسواز غارد مادري في كتابهما: مقدمة إلى التحليل النصي، لاروس، 1976، ص 134-148).
1-تقطيع النص إلى مقاطع:
يفصل بين المقطعين: الأول والأخير مساحة بيضاء لأن الأمر يتعلق ببداية الرسالة التي تفصح عن العظة الموجودة في القصة، كما يتعلق بنهايتها (الرسالة) عند انتهاء القصة.
أما القصة، في حد ذاتها: فتتضمن أربع كتل طباعية. وهذا التقسيم من شأنه أن يقدم لنا تحديداً ناقصاً في حد ذاته لكن هناك تحديدات أخرى تضطلع بهذه المهمة.
المقطعان الأول والثاني:
تنقسم الكتلة الطباعية الأولى إلى مقطعين، يبدأ الأول بعبارة "لم يذق السيد سيجان أبداً طعم السعادة مع عنزاته" والثاني بعبارة "ومع ذلك لم تثبط عزيمته". وهنا توجد عدة وجهات نظر تدل على "الانفصال أو الفقدان" (انظر الجزء النظري من هذه الدراسة).
1-منطقية: وتتجلى في عبارة "مع ذلك".
2-زمانية: "بعد أن فقد ست عنزات بنفس الطريقة؛ راح واشترى واحدة سابعة".
3-تمثيلية: ست عنزات عكس واحدة سابعة.
المقطع الأول: كل العنزات – المقطع الثاني السابعة، التي تتميز عن الست الأخريات، فهي (أي العنزة) في صيغة المفرد، كما أنها "صغيرة جداً" ويكرس لها النص وصفاً خاصاً بها.
المقطع الأول يعلن عن بداية القصة التي لن تكون سوى مصادفة لقصة تكرارية؛ سنشهد السابعة نفس مصير الست الأخريات. في بداية المقطع الثاني هناك عبارة تذكر بمضمون المقطع الأول "بعد أن فقد ست عنزات بنفس الطريقة" في هذه الحالة نحن إزاء تكرار يهدف إلى تعزيز ما سبق ذكره. وهي طريقة تؤمن تسلسل المقاطع المنفصلة.
الكتلة الطباعية الثانية تتضمن مقطعين (3، 4)، المقطع الثالث يبدأ بـ "ذات يوم، بينما كانت العنزة ترنو ببصرها نحو الجبل" أما الانتقال من المقطع الثاني إلى الثالث فيتحدد بأكثر من انفصال:
1-انفصال طباعي.
2-انفصال زماني: "ذات يوم، بينما كانت ترنو.. بدءاً من هذه اللحظة".
3-انفصال فضائي: في نفس الفترة، زريبة عكس نحو الجبل.
4-انفصال تمثيلي: السيد سيجان يغادر المشهد.
5-انفصال يتعلق بالجو: سرور في المقطع الثاني عكس انزعاج في الثالث.
لاحظوا أن المقطع الثالث كان قد أعلن عنها عند نهاية الثاني، قبل المساحة البيضاء "لكن السيد سيجان كان مخطئاً، إذ سرعان ما ضجرت العنزة" وهذه وسيلة نموذجية نجدها في الحكايات الشعبية من الأدب الشفهي، إذ إن الراوي يستبق الأحداث ليثير فضول المستمع.
المقطع الرابع:
ويبدأ بـ "ذات صباح، وبعد أن أنهى حلبها". أما الانتقال من المقطع الرابع إلى المقطع الخامس بوجود انفصال من نوع:
1-زماني: "ذات صباح".
2-تمثيلي: رجوع السيد سيجان مرة أخرى إلى المشهد.
3-ملفوظي: بداية الحوار بين السيد سيجان وعنزته.
الجملة الأخيرة من المقطع الرابع تكون علاقة مع المقطع اللاحق لأنه يلخص حالة العنزة "تعاني من أمرها"، ويعلن عن السيد سيجان: "كان سيجان يلاحظ أن.. لكنه لم يكن يعرف".
الكتلة الطباعية الثالثة تتضمن مقطعين (الخامس والسادس):
المقطع الخامس:
يتميز الانتقال من المقطع الرابع إلى الخامس بوجود انفصال:
1-طباعي.
2-فضائي (ما أنجزته العنزة لأن رحيلها في المقطع الرابع لم يكن سوى مجرد فكرة)، أما الآن فهي تنتقل إلى الجبل بالفعل.
3-تمثيلي: السيد سيجان لم يعد موجوداً.
4-انفصال يتعلق بالجو: انزعاج عكس ابتهاج: "عمت الفرحة.. استقبال الملوك – احتفال الجبل بها".
بداية المقطع الخامس يستعيد، بشكل سردي، خاتمة الحوار الذي ينهي المقطع الرابع، وتتصل المقاطع ببعضها؛ المقطع الرابع (سأحبسك في الإسطبل)، المقطع الخامس (ثم حمل السيد سيجان العنزة).
المقطع السادس:
تبدأ بعبارة "فجأة، صار الهواء رطباً". على الرغم من غياب الانزياح الطباعي، يمكن اعتبار أننا ننتقل إلى مقطع جديد يختلف عن السابق لوجود انفصال:
1-زماني: "فجأة، صار الهواء رطباً.. وصار الجبل بنفسجياً، إنه المساء".
2-تمثيلي: غياب السيد سيجان في المقطع الخامس لكنه يظهر عن بعد، وبشكل استعاري عن طريق البوق.
كما يتم الإعلان عن وصول الذئب بواسطة عوائه.
3-انفصال يتعلق بالجو: انشراح(5) عكس انزعاج(6).
"توقفت مندهشة –أحست بالحزن.. كانت ترتعد".
ونهاية المقطع السادس تعلن عن "إنه الذئب" والمقطع السابع يبدأ بوصف هذه الشخصية الجديدة: "ضخم، ثابت. مع على مؤخرته كان هناك".
وهنا أيضاً نضع أيدينا على طريقة الربط التي عودنا النص عليها.
المقطع السابع:
ويتحدد الانتقال إلى المقطع السابع عن طريق:
1-انزياح طباعي.
2-انفصال تمثيلي قوي (الذئب يتدخل باعتباره فاعلاً مضاداً –يتغير برنامج العنزة نتيجة لذلك إذ ليس المهم الآن المحافظة على حريتها إنما الصمود حتى الصباح).
كان يمكن للقصة أن تنتهي بدون إدخال هذا البرنامج الجديد، لأن تقول مثلاً. "عندئذٍ، انقضّ الذئب على العنزة الصغيرة وافترسها". لكن إدخال هذا البرنامج الجديد يبرز واقعة ثانية. والانفصال بين المقطعين السادس والسابع يمكن أن نسميه "الانفصال السردي".
ملخص:
القصة الواقعة بين بداية الرسالة ونهايتها تنقسم إلى سبعة مقاطع وواقعتين.
العلاقة بين مقطع وآخر تأمنت في:
-بداية المقطع: عن طريق التذكير بالمقطع السابق.
بداية المقطع الثاني: تذكر بالمقطع الأول.
بداية المقطع الخامس: تذكر بالمقطع الرابع.
-نهاية المقطع: عن طريق استباق المقاطع التالية:
-نهاية المقطع الثاني: استباق المقطع الثالث.
-نهاية المقطع الثالث: استباق المقطع الرابع.
-نهاية المقطع السادس: استباق المقطع السابع.
المقطع السادس فقط لا يتضمن تذكيراً بالمقطع السابق. لكن لماذا؟ ربما لأن مجمل هذا المقطع يشكل مرحلة انتقالية بين الخامس والسابع.
المقطع الخامس: برنامج العنزة (الحرية).
المقطع السابع: برنامج جديد للعنزة (الصمود حتى الفجر).
المقطع السادس: تردد العنزة.
مع ذلك يمكن أن نرى نوعاً من استباق المقطع السادس في المقطع الخامس: "المسكينة حينما رأت نفسها معلقة فوق".
إذ إن حكم الراوي يعلن في الانشراح الموجود في المقطع الخامس عن الاستياء في السادس "باختصار، كان يوماً جميلاً قضته العنزة" يجعلنا نتوقع الانفصال الزماني للمقطع السادس.
البنية العاملية للقصة:
سنرى الآن كيف تتكون الشخصيات تدريجياً من مقطع لآخر وهي تتمتع بالمؤهلات (كينونة الشخصية) والوظائف (عمل الشخصية) والكفاءة (معدلات أو موجهات الإرادة والسلطة) اللازمة لتحقيق الأداء.
وسنقوم الآن، تدريجياً، بتحليل العلاقات القائمة بين العوامل، محاولين تكوين نموذج عاملي ينظم كل مقطع سردي على حدة.
1-رسالة دوديه إلى غرينغوار: (دوديه يروي القصة ليس لمجرد متعة الرواية وإنما ليقدم عظة لصاحبه. وبما أن القصة مقدمة من دوديه إلى غرينغوار، فهي تتسجل إذاً ضمن العلاقة.

موجه  –  موضوع  -   موجه إليه
=           =             =
دوديه         قصة           غرينغوار
                                                                                                                                        
 
إن القصة على هذا الشكل معروضة بكل ماديتها كموضوع تبادلي وتحتل موضع الموضوع القيمي المقدم من الموجه إلى الموجه إليه. هذا الموضوع القيمي ينطوي على إرادة الفعل أي ما يحاول دوديه نقله إلى غرينغوار وهي إرادة التنازل عن الحرية الخطيرة في أين يصبح كاتب وقائع.
2-البنية العاملية للقصة في حد ذاتها:
المقطع الأول: ويعرض بشكل استباقي ملخص الحكاية التي تحركها البنية العاملية التالية:
شرح الشكل السابق:
السيد سيجان يظهر أولاً كفاعل يسعى إلى موضوع: العنزات. لكنه يجد نفسه في حالة انفصالية (فقدان) السيد سيجان 7 العنزات).
الواقع أن العنزات تهرب من منزله باعتبارها موضوعاً، وتتكوّن من جديد على شكل فاعل يتصف بموجه (معدل) الإدارة "لكن على ما يبدو أنهن عنزات مستقلات، يردن.." ويقمن بتنفيذ برنامج استعمالي: "ذات صباح، فمن يقطع حبلهن، وذهبن إلى الجبل للحصول على الهواء النقي والحرية مهما بلغ الثمن" وخلال بحثهن يصادفن أول معارض هو السيد سيجان لكن سيجان هذا له مكانة الفاعل لأنه يلاحق موضوعاً: العنزات. وبما أن الموضوع الذي يلاحقه هو، في نفس الوقت، فاعل، فإننا نصف السيد سيجان بالفاعل المضاد (وهي الحالة الثالثة من حالات الفاعل –المضاد-القسم النظري).
الشخصية الثالثة، الذئب، يتخذ من العنزات موضوعاً له "هناك.. كان الذئب يفترسهن).
السيد سيجان والذئب يقومان بنفس الدور العاملي وهو دور الفاعل المضاد (إنهما يقفان ضد حرية العنزات لكنهما يختلفان عن بعضهما كممثلين ذلك أن أحدهما يتصرف بلطف والآخر بعنف "لا مداعبات سيدهن، ولا الخوف من الذئب.. لا شيء كان يمنعهن".
إذاً نجد هنا حالة تضاعف لنفس العامل –الفاعل المضاد الذي يتضمن من ممثلين هما السيد سيجان والذئب.
المقطع الثاني:
في بداية القصة يأخذ السيد سيجان زمام المبادرة "اشترى عنزة سابعة". حين تظهر العنزة تكون أولاً موضوع رعاية من قبل السيد سيجان. وهذا الأخير ينفذ برنامجاً يستجيب لسور الموضوعاتي المناط بالراعي (شراء العنزة، انتقاءها صغيرة، وضعها في الزريبة، ربطها بالوتد، أطال رباطها).. وهذا الدور الموضوعاتي يحدد له مسبقاً أن يكون الفاعل المضاد لعنزة ترفض الخضوع لوظيفتها (دورها الموضوعاتي) كحيوان منزلي، وهي وظيفة أناطها بها المجتمع.
طيلة هذا المقطع، تحتل العنزة المواضع القواعدية كتكملة مباشرة (ما عدا في جملتين وحين يشرع الكاتب في وصفها). ولا تصبح فاعل جملة إلا في جملتين يتعارض معناهما:
(العنزة تحس بالسعادة. وكانت ترعى العشب بحب، مضمون فرح وانشراح)، لكن عنزته ضجرت (مضمون انزعاج يعلن عن المقطع التالي. ومنذ هذه اللحظة ستجعل من نفسها فاعلاً سردياً لأنها تعاني من نقص "ضجرت".
المقطع الثالث:
يقوم الجبل بدور الموجه (المرسل أو المحرّض): "قالت لنفسها وهي تنظر إلى الجبل..".
"رأسها نحو الجبل". في الواقع، الجبل هو الذي يوحي للعنزة بالرغبة في الحرية "لا بد أن الحياة جميلة هناك. فوق.. ما أمتع أن أقفز بين نباتات الخلنج لولا هذا الرسن.. الماعز يحتاج إلى المدى" ويجعلها تحس بالضجر من وضعها الحالي.
العنزة المرسل إليها، تلقت إذاً من الجبل معدل (موجه) الإرادة، الشرط اللازم لتحول الممثل إلى فاعل. وتظهر الإرادة مع كلام العنزة في نفس الوقت "قالت بلهجة محلية..".
وفي هذه اللحظة يعطي النص للعنزة اسماً "بلانكيت". وبتوافر الإرادة، والكرم والاسم للعنزة فإنها تصبح فاعلاً. لكنها تظل فاعلاً افتراضياً حتى الآن. فقبل تحقيق الأداء (الذي ينطوي على الذهاب إلى الجبل، بالنسبة للعنزة) على الفاعل أن يكتسب الكفاءة الضرورية أولاً.
وقبل الانتقال إلى الفعل، على الفاعل أن يمتلك موجهي (معدلي) الإرادة والسلطة أو القدرة.
الإرادة تم اكتسابها. وعبر عنها بـ "أريد أن أذهب إلى الجبل يا سيد سيجان". لكن كيف يمكن اكتساب القدرة أو السلطة؟ يتم ذلك إما بالحصول على إذن السيد سيجان "عقد استسماحي" وهذا ما تحاوله العنزة بدون طائل، خلال المقطع الرابع حينما تقول: "دعني أذهب إلى الجبل"، أو الهروب، وهذا ما تفعله في المقطع الخامس.
المقطع الرابع:
في هذا المقطع، نشهد مواجهة بين العنزة وبين السيد سيجان الذين يتعارض برنامجاهما:
فاعل: عنزة – موضوع: حرية.
فاعل: السيد سيجان – موضوع: عنزة في اللاحرية (انعدام الحرية).
رأينا أن السيد سيجان الذي لديه برنامج معارض لبرنامج الفاعل، يقوم بدور الفاعل المضاد.
ويظهر أيضاً كمرسل مضاد، يحاول التصدي لنداء الجيل ويردع العنزة عبر حديثه لها عن الذئب.
ومداخلته تقع على المستوى المعرفي وهو في الحقيقة يمارس فعلاً إقناعياً عن طريق تقديم معرفة إلى المتلقي الفاعل حول الموضوع المرغوب "هناك ذئب في الجبل".
بعد هذا، فإن المكان (الجبل) الذي يمكن اعتباره بمثابة صورة تمثيلية والذي كان يضطلع بدور عاملي كمرسل، يقوم أيضاً بدور الموضوع. لكن الموضوع نفسه ينقسم إلى وجهين:
-وجه إيجابي: جبل = مكان الحرية (المعرفة المتعلقة بهذا الوجه من الموضوع، يتم إبلاغه بوساطة المرسل أو الوجه: الجبل).
-وجه سلبي: جبل = مكان الذئب وبالتالي مكان الموت (المعرفة المتعلقة بهذا الوجه من الموضوع يتم إبلاغه بوساطة المرسل: السيد سيجان).
المعرفة حول السلبي يتسم نقلها بوساطة المرسل المضاد السيد سيجان، بهدف إلغاء إرادة الفاعل، وبالتالي إعادة العنزة إلى حالة عدم الفعل (اللا فاعل) لأنه لا يقترح بحثاً آخر أو إرادة أخرى.
وتمنى محاولة المرسل المضاد بالفشل: "مع ذلك، دعني أذهب إلى الجبل".
المقطع الخامس:
كذلك تفشل محاولة الفاعل المضاد: السيد سيجان يحبس العنزة في الإسطبل لكنه ينسى إغلاق النافذة. أن التعارض بين باب مغلق/ نافذة مفتوحة هو الترجمة التصويرية.
للدورين العامليين:
"معارض/ مساعد" هذان الدوران يضطلع بهما العامل الفاعل المضاد: الواقع أن السيد سيجان هو الذي يغلق الباب (معارض) وينسى إغلاق النافذة (مساعد). بفضل هذا النسيان، تكتسب العنزة معدل أو موجه الإرادة. وبذلك فهي تتمتع بكل الكفاءة الضرورية (إرادة واستطاعة) وهو أمر يمكنها من تحقيق برنامجها: "وذهبت الصغيرة.. حينما وصلت العنزة إلى الجبل" ومجمل المقطع الخامس يحتفي بنجاح بحثها: "أقام الجبل لها احتفالاً.. والخلاصة كان يوماً سعيداً بالنسبة لعنزة السيد سيجان.
في هذا المقطع يمكن أن نرى مرحلة (اختباراً) تمجيدية، لأن الجبل هو موضوع (باعتباره تجسيداً للحرية) ومرسل في آن معاً.. وببلوغ الفاعل هذا المكان يكون قد حقق بذلك:
-الاختيار الرئيسي: لأنه قد امتلك الموضوع. –والاختبار التمجيدي: لأنه يعود إلى المرسل ليحكي ما حدث له. والمرسل بدوره يعتبر لأدائه وهو ما تعبر عنه جملة "كل الحبل احتفل بها".
المقطع السادس:
ذكرنا أن هذا المقطع يشكل مرحلة انتقالية بين المرحلتين. العنزة تتردد حول البرنامج اللاحق: إنها تسمع عواء الذئب، ونداء السيد سيجان في نفس الوقت (تدخل ثان من قبل المرسل المضاد: السيد سيجان). وها هي سجينة ممكنين سرديين: هل تعود إلى زريبتها حيث (انعدام الحرية + الأمان) أم تبقى في الجبل حيث (الحرية +انعدام الأمان)؟
بعد الفعل التأويلي (التذكر) يكتسب الفاعل معرفة حول الموضوع(1) وهي معرفة تتعلق بالوجه السلبي(أ) لهذا الموضوع وتثير لا إرادة الفاعل: "رغبت بلانكيت بالعودة. لكن حينما تذكرت الوتد والحبل وقصب الزريبة.. فكرت بأنها لم تعد قادرة على تحمل مثل هذه الحياة وأنه من الأفضل لها البقاء". في نهاية المقطع تتنازل العنزة عن الموضوع(1) (وهو الفشل) الثاني للمرسل المضاد).
وتختار الموضوع(2). إلى الآن لم تكن العنزة تعرف سوى وجهاً واحداً(1) من أوجه هذا الموضوع وهو الحرية، التي استمتعت بها طيلة المقطع الخامس: ومن الآن فصاعداً، ستمارس الوجه الآخر (ب) أي اللا أمان. وأثناء ترددها، نراها محاصرة من قبل الفاعل المضاد الموجود على شكل ممثلين في نفس الوقت:
المقطع السابع (الواقعة الثانية):
يظهر الذئب في دوره الموضوعاتي الخاص أي أنه ذلك المخلوق الشرير المطلق بالحكايات الشعبية: أن الذئب، معرفاً، وليس ذئباً فكرة، وآكل الماعز: "بما أن الذئب كان يعرف بأنه سيأكلها، لذلك لم يكن مستعجلاً.. ليس لأنها تأمل قتل الذئب –الماعز لا يقتل الذئب-" عندئذ انقضَّ الذئب على العنزة الصغيرة وافترسها" وأمام الفاعل المضاد الذي جاء لينتزع منها موضوعها القيمي (الحياة وبالتالي الحرية) وجدت العنزة نفسها عاجزة، وكان القصة أن تنتهي عند هذا الحد: "قالت لنفسها: ربما من الأفضل أن ندع الذئب يأكلها فوراً". لكنها تتخذ برنامجاً جديداً إرادة الفعل فيه جاءتها من تجربة العنزة رونود. إذاً. رونود تقوم بدور المرسل ونعهد إلى بلانكيت بمهمة: الحرية مفقودة، لكن هناك بحث آخر يتلوه وهو الصمود حتى الفجر:
"لنرى ما إذا كانت ستصمد كما صمدت رونود" أتمنى لو اصمد حتى الفجر. قالت العنزة المسكينة التي لم تكن تنتظر سوى طلوع النهار لكي تموت.
وهنا تنبغي الإشارة إلى الدور الذي اضطلع به "مثال رونود" وهو مثال قام السيد سيجان بتبليغه للعنزة:
مرسل              موضوع         مرسل إليه
السيد سيجان      – مثال رونود        – العنزة
لكي يردعها عن الشروع في بحثها الأول عن الحرية.
إن تفسير المثال: عليه أن يقدم للعنزة معرفة حول الوجه السلبي للموضوع المرغوب مشيراً بذلك لديه اللا إدارة: (السيد سيجان =مرسل مضاد). ونفس المثال يتكرر بخصوص إثارة.
البحث الثاني: الصمود حتى الفجر:
أما الآن، لنلق نظرة على آلية التفسير:
-تمارس العنزة فعلاً تأويلياً (التذكر) حول هذا المثال "حينما تذكرت حكاية العنزة رونود التي قاتلت طيلة الليل لكي تؤكل في الصباح" وتخرج من هذا الفعل بمعرفة أولى (سلبية): "رونود أكلت" وهو أمر يستجر اللا إرادة (أي ربما من الأفضل أن تترك الذئب يأكلها مباشرة" وتخرج منه بمعرفة ثانية (إيجابية) وأكلت رونود في الصباح بعد أن قاتلت طيلة الليل" وهو أمر يستجر الإرادة (بحث ثان).
ولكي تنجز آراءها (الصمود حتى الصباح) كانت العنزة تملك الكفاءة اللازمة لذلك؛ الحقيقة أن الماعز يقدر على النضال طيلة الليل، ورونود خير مثال على ذلك. إن لشخصية رونود وظيفة استباقية بالنسبة لبلانكيت.
وقصة رونود هذه تسجل بشكل مصغّر (Enabyme) في القصة (ذكرها السيد سيجان أولاً في المقطع الثالث، ثم بلانكيت في المقطع السابع) وجاءت لتبرر، نوعاً ما، المرحلة الأخيرة من قصة بلانكيت ولتضفي عليها طابع احتمالية الوقوع. وهكذا فإن النص يملك استقلاليته الخاصة ويفرض احتماليته.
خاتمة:
إذا لم يكن مؤكداً أن "الماعز لا يقتل الذئب" فإن قتال بلانكيت ضد الذئب يمكن أن يظهر كجهد مبذول للمحافظة على حريتها المكتسبة خلال المرحلة الأولى. ويكون قتالها استمراراً للبرنامج السردي المتمثل في "البحث عن الحرية". لكن بما أنه من المؤكد أن العنزة ستؤكل، فإن قتالها ضد الذئب يمكن تفسيره على أنه برنامج سردي مستقل عن الأول، لأنه ينطوي على "الصمود حتى الفجر". وإدخال هذا البرنامج الجديد يغني وينوع منظور النص بشكل كبير. الواقع إذا كانت العنزة ستفقد حياتها في النهاية، فهي تبلغ هدفها مرتين: أولاً وقوفها في وجه السيد سيجان. وحصولها على الحرية، ووقوفها ضد الذئب ثانياً حيث استطاعت الصمود حتى الفجر. وعلى الرغم من فشلها ظاهرياً، فقد أحرزت نوعاً من الانتصار. وما موتها إلا تحقيق لرغبتها "أخيراً. قالت العنزة المسكينة التي لم تكن تنتظر سوى طلوع النهار لكي تموت". ويمكن اعتبار الفشل على المستوى البراغماتي (مستوى الأحداث) مقابلاً للانتصار على المستوى المعرفي (تفسير الأحداث).
في النص إذاً هناك صوتان:
1-الصوت الأقوى الموجه للمدرسة ويقابل ما يقوله الراوي صراحة إلى غرينغوار "إذا رفضت دورك كعنزة-حيوان منزلي (وهو ما يترجمه غرينغوار: دوره ككاتب وقائع، وما يترجمه التلميذ: كطفل خاضع) وعبارة "سيأكلك الذئب" (يترجمها غرينفوارد-سيسحقك المجتمع والتلميذ بالعقاب).
هذا ما يقوله المستوى الدلالي للقصة. وبهذا المعنى فإن النص يمارس وظيفة إدماج الفرد في النظام القائم.
2-الصوت الآخر والذي تخنقه المدرسة، ويظهر من خلال تحليل البرامج السردية –هذا إذا انتبهنا إلى المستوى المعرفي، هذا الصوت يقول: "يمكنك التخلص من القيود وتحقيق رغباتك". الواقع أن العنزة تقف مرتين في وجه النظام القائم، وتنجح في ذلك مرتين أيضاً: سعادتها في الجبل وصمودها..
3-المربع السيميائي:
1-المنظور الاستبدالي:
في هذا النص، المحور الدلالي ف يتعلق بحالة الفرد في المجتمع، ويتفرع إلى ف1 "خضوع الفرد للنظام القائم"، ف2 "حرية الفرد".
في النص هناك تعارض بين حرية الفرد وبين احترام النظام الاجتماعي إذ:
-على غرينغوار أن يختار بين حريته وبين خضوعه للمجتمع (أن يصبح كاتب وقائع يعني فقدان الحرية).
-العنزة تختار الحرية على الرغم من معارضة السيد سيجان والذئب اعتبارهما ممثلين للنظام.
2-المنظور التتابعي:
سنأخذ الآن حدود المربع السيميائي (المنظور الاستبدالي) ونعين بأسهم إلى المسار الذي اتبعته القصة (المنظور التتابعي).
تبدأ القصة بالنقطة ف1: العنزة الخاضعة تقبل الزريبة (المقطع الثاني). لكن يطرأ تغير حينما تنظر العنزة إلى الجبل وترفض الزريبة (المقطعان الثالث والرابع): والقصة تنفي ف 1 لنؤكد لـ ف2.
-ف1 يقتضي ف2: رفض الزريبة يعني اختيار الحرية: المقطع الخامس يقع على ف2.
-عند هذه اللحظة (المقطع السادس)، العنزة تتردد: هل تعود إلى نقطة البداية في أمن الزريبة (ف1) وتتنازل وعندئذ عن حريتها؟ لكنها تستبعد هذا المشروع وتظل القصة عند ف2.
-في المقطع السابع. يعود المسار من جديد مع تدخل الذئب فإن القصة تنفي ف2 وتؤكد لا ف2 وتفقد العنزة حريتها. وتكتمل القصة في النقطة لا ف2، حينما تؤكل العنزة.
-لكن لا ف2 يقتضي ف1. لعدم وجود "عنزة حرّة". وبالتالي فإن النظام الاجتماعي يثبت.
ملاحظة:
في المقطع السادس، لو اختارت العنزة أمان الزريبة (ف1) لكان عليها أن تتنازل عن حريتها (الانتقال من ف2 إلى لا ف2). وهذا المسار نفسه (ف2-ف2-ف1) يتم إنجازه في المقطع السابع. ومع أن البرنامج المرسوم في المقطع السادس، والبرنامج المتحقق في المقطع السادس، والبرنامج المتحقق في المقطع السابع يتبعان نفس المسار، إلا أنهما يختلفان على المستوى التصويري Flguratif الأول ناشئ عن فعل انعكاسي والثاني عن فعل "متعد".
المقطع السادس:
ف2- (ف1  م7).   حيث ف2 = ف1 =العنزة والموضوع –الحرية=فعل انعكاسي.
المقطع السابع:
ف2- (ف1  م7).  حيث ف 2=الذئب، ف1=العنزة والموضوع =الحرية=فعل متعدي.
خاتمة:
تدور القصة على ثلاث مراحل:
1-الحالة الابتدائية متوازنة وتتطابق مع النظام القائم "العنزة في الزريبة".
2-اضطراب التوازن: لا نعود تماماً إلى الحالة الابتدائية (العنزة ليست في الزريبة) لكن على الأقل ليس هناك اضطراب (العنزة لم تعد حرة).
الدلالة العميقة للنص تظهر بأن النظام الاجتماعي قوي جداً. فإما أن نقبل به (وهو الحل الذي يقترحه السيد سيجان) أو نخضع له (وهي الحالة التي يفرضها الذئب). على أية حال، فنحن نشهد هنا انتصار المؤسسة على الفرد. وهذا ينبغي ربطه بانتصار البورجوازية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فإذا ما لاقت هذه القصة نجاحاً كبيراً فذلك يعود إلى النص ينقل قيم الإيديولوجيا البورجوازية المسيطرة. ودوديه، في عرضه للنظام الاجتماعي كقيمة مطلقة، فإنه بذلك، يجعل من نفسه داعية للطبقة البورجوازية[1].

[1]-الفونس دوديه: رسائل من طاحونتي. نشرت عام 1866م.                                                           


مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 265 أيار 1993

راسلـني