Featured Video


التحليل البنيوي في علم النقد القصّي*
د.طريف شيخ أمين

الملخص
يرمي هذا البحث إلى الإسهام في تحديث الدراسات النقدية المنصبة على النصوص القصية وإسباغ هالة علمية ثابتة على الفن القصصي الذي يشمل الحبكة والعقدة والتسلسل الزمني وتقاطع مؤشرات الأحداث والشخصيات والأماكن.بعد عرض لبعض النظريات السائدة في أوروبا وأمريكا يعرج البحث على التركيز على طريقة ذاع صيتها واشتد الجدال حولها ألا وهي:
الطريقة الزمنية القياسية والتي أبها بها الناقد الفرنسي "جيرار جونيت" والتي تنتمي إلى ما اصطلح عليه بعلم النقد القصي أو الناراتولوجيا Narratologie وبعد عرض معالم هذه الطريقة الحديثة هناك تطبيق لها على نص أخذ لا على التعيين وذلك قصد التحقق من صلاحية هذه الطريقة المعروضة كوسيلة تنطبق على كل نص يحوي أحداثاً مهما كان نوعها ومهما طال ذلك النص أو قصر. والتطبيق لأي نظرية كانت لا يخلو من اجتهاد يتم من طرف الدارس المطبق والاجتهاد هنا هو إرجاع عناصر النص الزمنية والقياسية إلى محورين مستخدمين في علوم الحساب والهندسة ورسم الخرائط. أي محوري السينات والعينات اللذين منهما يستنبط خطاً بيانياً يُظهر للعيان التغيرات الزمنية في الأحداث ويتابع سير الحبكة والفن القصصي بشكل لا يخلو من ابتكار وحدة وحداثة ويخلص البحث إلى تقييم هذه الطريقة وإمكانية توسيعها لتشمل نصوصاً طويلة بل وقصصاً وروايات بأكملها ويربطها بطرق أخرى لا تتعارض معها بل تكملها وترفدها بعين من الدقة والرصانة العلمية. إذ لم تتطرق أية دراسة عربية حتى الآن لمثل هذا النهج العلمي ولم يترجم إلى اللغة العربية حتى الآن أي كتاب يعرض هذه الطريقة بالشرح والتفصيل.
مقدمة:
عديدة هي النظريات التي تظهر في عالم الغرب وعالم الشرق حول النقد الأدبي وخاصة ما يتعلق بطرق دراسة الرواية والقصة الطويلة أو القصيرة. وهذه نبذة عن تلك الطرق:  
لقد كانت نقطة البدء نابعة من اتحاد الكتاب والنقاد الشكليين الروس وعلى رأسهم "بروب" و"جاكوبسون" و "باختين" وقد اصطلح على ما أتى به هؤلاء النقاد عام 1915 "بالشكلية" وهي تدعو إلى فصل النقد الأدبي الموضوعي عن سيرة الكاتب وعن الوضع الاجتماعي السائد والنظريات الفلسفية أو الدينية. وكان كتاب "شكلية القصة" الشرارة التي أشعلت هذا الاتجاه في جميع أنحاء أوروبا الغربية أو الشرقية. وقد كتب هذا الكتاب الناقد Propp Morphologie du conte بروب ثم تبع ذلك أشكال عديدة من الطرق التي تؤيد أو ترفض هذا العمل أو عدمه عن حياة الكاتب. فمن بين أشهر التيارات المتصارعة في هذا المجال في فرنسا:
1-نظرية "باشلار" الذي عول على التركيز على عناصر الطبيعة الأربعة التي تطبع كل عمل من أعمال القص الأدبي. وهذه العناصر مستقاة من الفلاسفة اليونانيين الأوائل الذين يرون أن كل ما في الكون يرد إلى ما يلي: النار والماء والهواء والتراب. وقد حاول "باشلار" دراسة أبعاد هذه العناصر من ناحية تركيب القصة وأثرها في إبراز المتصارعات النفسية والاجتماعية الكامنة من وراء مختلف الأحداث في القصة والتي تتوضع في صور لا شعورية (ترجمة غلوين كتب باشلار Bacheard هي: "التحليل النفسي للنار" "الماء والأحلام" "الهواء والرؤيا"... الخ.).
2-نظرية "مورون" Mouron: ربط هذا الناقد الفرنسي العناصر النفسية المستقاة من حياة الكاتب مع الظواهر النفسية التي تطبع شخصيات القصة وتصرفاتهم تجاه بعضهم والغاية من ذلك الوصول إلى تحليل مفصل للشخصية التي اخترعها القاص بناء على ما يعتمل في نفسه من مشاعر أو عقد نفسية يعاني منها باستمرار.
عنوان كتابه: "المدخل إلى دراسة نفسية الشاعر مالارمي" Psychanalyse de Malarmée
3-نظرية "بارت" (Roland Barthes)
لقد طبق هذا الناقد البنيوي قواعد البنيوية بحذافيرها إذ فصل أولاً العناصر المكونة للحوادث في القصة والدوافع التي أدت إلى ظهور القصة نفسها أي النزعات النفسية والشعورية لدى القاص. فالناقد "بارت" يرفض الخوض في خلفيات لا شعورية قد يتنبأ بها القارئ المتفحص.
فكل ما يرغب الوصول إليه هو استنباط شبكة من الأفكار والاتجاهات التي تطبع الشخصية خلال الحوادث المعروضة.
كتب "بارت" (حول الشاعر راسين) (Sur Racine)
(الدراسة البنيوية للقصة) Lanalyse structurale du Récit
(النقد والحقيقة) Critique et Vérité
4-نظرية التعبير (Théarie de lénonciation) لقد تدخل اللغويون واللسانيون في خضم الصراعات النقدية فأدلوا دلوهم فيما يتعلق بالخواص النحوية والصرفية والمعنوية التي تطبع النصوص القصية. فميزوا بين المقاطع التي تحتوي على الحوار بين الشخصيات وبين المقاطع التي تحتوي على وصف أو سرد للحوادث دون سماع صوت الشخصية التي تعيشها.
ومن بين من اهتموا بهذه الناحية بينفينيست (Benvéniste)، جاكبسون (Jakobson) والأول فرنسي والثاني هاجر إلى أمريكا وهناك أيضاً عالم اللغة الإنكليزي أوستين Austin  الذي شارك في مثل هذا الاتجاه. وهذا ملخص إجمالي لما يرونه مناسباً لدراسة النص القصي:
إن كلاً من السرد (le récit) والخطاب أو الحوار (le discours) يتميز بظواهر لغوية معينة ينبغي التنبه إليها لدى الشروع في النقد. فالسرد يحوي أفعالاً ماضية وضمائر الغائب بينما يحوي الحوار أفعالاً مضارعة تعبر عن الزمن الحاضر، وصيغ التعجب والنداء والاستفهام وظروف الزمان المعبرة عن اللحظة التي يجري فيها الحوار وكذلك يحوي ظروف مكان الحوار ويتميز الحوار خاصة باستعمال ضمائر المتكلم والمخاطب.
مؤلفات النقاد أو اللغويين الذين اهتموا بهذا الاتجاه:
"أميل بينفينيست" "مسائل عامة لسانية" Problémes de linguistique générale
"جاكسون" "محاولات عامة لسانية" Essais de linguistique general
"أوستين" "كيف نجعل الكلام عملاً"
Quand dire, cest ffaire (How to do thing with words)
والحقيقة أن هذه النظريات والطرق الأربع ليست سوى غيض من فيض ولكني أخص طريقة حديثة شاعت مؤخراً في فرنسا وخلقت مسحة جديدة لنقد القصة مبني على أسلوب تحليلي علمي.
هذه الطريقة يمكن تسميتها بالطريقة الزمنية القياسية وهذا شرح لها يتلوه نموذج تطبيقي عملي لنص قصي مصحوب بمخطط للبنية التي تطبعه.
الطريقة الزمنية القياسية:
فيما يلي السبب الذي من أجله ركز على هذه الطريقة: نظراً لتعدد الطرق والنظريات التي تتداخل فيما بينها ناهيك عن صراع المقلدين مع المحدثين فإن هذه الطريقة كما سنرى تصلح لتكون مدخلاً يساعد على التوغل في عالم النص الرحيب. وما يبرر اللجوء إليها هو اعتمادها على الزمن الذي تعتبر دراسته مفتاحاً للولوج إلى معظم النواحي التي تهم الدارس لشتى النواحي في النص.
هذا الزمن يرتبط بالضرورة في المكان الذي يتم فيه الحدث وبالشخصية التي تقوم بالعمل.
والقياس المضبوط ضبطاً محكماً يشكل أحد العناصر الرصينة العلمية في هذه الطريقة.
التاريخ والرد: هذان العنصران هما أهم ما يجب التنبه إليه لدى الشروع في دراسة نص يحتوي على أحداث سواء أقلت أم تعددت. التفريق بين هذين الأمرين هو في غاية الأهمية.
التاريخ: هو التسلسل الزمني المنطقي للأحداث دون تشويه ودون تغيير أي هو الإتيان بالأحداث في تسلسل أوت رتيب منتظم يبدأ من أول حدث واقع في الماضي وحتى آخر حدث واقع في المستقبل. مثال على ذلك:
"استيقظ سامي في الساعة السادسة صباحاً ثم قام بالرياضة في الساعة السادسة والنصف وفي السابعة تناول طعام الإفطار وفي السابعة والنصف انطلق إلى عمله وفي الثامنة وصل إلى مكان عمله بكل عزيمة وثبات".
في هذا المثال نجد التواقيت التي تتم بها الأعمال وهي مسافة بالترتيب: السادسة والسادسة والنصف فالسابعة ثم السابعة والنصف وأخيراً الثامنة.
السرد: بخلاف ذلك يتم السرد الذي لا يتبع بالضرورة التسلسل التاريخي المنطقي وإنما يغير ترتيب الأحداث لإظهار نواح يعدها الكاتب ذات أهمية بالنسبة للتعبير عن فكرة ما. مثال على ذلك.
"حين انطلق سامي في الساعة السابعة والنصف إلى عمله ووصل في الساعة الثامنة كان على أفضل حال من التفاؤل والحيوية ذلك أنه قام ببعض الرياضة في السادسة والنصف وتناول طعام الإفطار في السابعة ولأنه استيقظ باكراً في الساعة السادسة".
وهكذا بدلاً من أن يصبح الترتيب تاريخياً كما هو في المثال الأول يصبح هذا الترتيب سردياً تبرزه كما يلي حسب الأفعال الواردة وحسب التواقيت:
الساعة 7.30 انطلاق إلى العمل
الساعة 8 وصول إلى العمل
الساعة 6.30 رياضة
الساعة 7 إفطار
الساعة 6 استيقاظ
مما سبق نرى أن عنصر القياس للزمن يلعب دوره الرئيسي في هذه الطريقة ولهذا سميت الطريقة الزمنية القياسية وهذا تمثيل بياني للتاريخ والسرد يساعد على تصور أبعاد هذه الطريقة:


هذا التمثيل البياني مستوحى من المحاور المستخدمة في الرياضيات وخاصة الجبر والهندسة التحليلية. حيث أن محور السينات يوافق محور التاريخ (ت) المتجه من اليمين إلى اليسار أما محور العينات فيوافق محور النص (ن) ويتجه من الأعلى إلى الأسفل. وعلى هذين المحورين تثبت العناصر الزمنية كما نرى على هذين الرسمين النموذجيين. ومن الملاحظ أن إسقاط التواريخ والتواقيت على ترتيب ورودها في النص يعطينا خطاً مستقيماً منتظماً في المثال الأول هذا الخط البياني نسميه اس (السرد). ولكن في المثال الثاني نرى الخط البياني (2س) أصبح متعرجاً لأنه يتبع التغيرات التي تطرأ على التسلسل التاريخي الأساسي والمنتظم. إذ أننا نرى على هذا الخط نقطة بدء متأخرة بالمقارنة مع نقطة البدء في المثال الأول. في المثال الأول نبدأ في الساعة السادسة بينما في المثال الثاني نبدأ في الساعة السابعة والنصف ثم نتابع نحو الساعة الثامنة ولكننا نعود إلى الوراء نحو الساعة 6.30 ثم نتابع نحو الساعة 7 وأخيراً نعود إلى الوراء نحو الساعة 6.
شرح مفصل للطريقة:
إن موجد هذه الطريقة يدعى "جيرار جونيت" الفرنسي وكتابه الذي لم يترجم بعد عنوانه "الوجوه" (Les Figures)
وفيه يتطرق إلى الوجوه أو الأشكال التي تطبع فن صياغة الحبكات في أحداث القصة أو الرواية أو المسرحية بل وحتى داخل نصوص شعرية تحتوي على شيء من الأحداث. أما الرسم البياني المرافق لهذه الطريقة فقد أوجدته لإسباغ هالة من الدقة على التطبيق. فالحقيقة أن كل طريقة وكل نظرية تبقى قيد التنظير ما لم تطبق بتجربتها على نصوص عديدة كي نتمكن من التحقق من فائدتها بالنسبة للمحلل لنص قصصي أو غيره. حسب موجد هذه الطريقة هناك ثلاثة عوامل يجب التركيز عليها فيما يتعلق بالفن القصصي. هذه العوامل هي: الترتيب والمدة والتردد.
وهذا شرح لها.
1-الترتيب: إن ترتيب الحوادث يمكن أن يكون له أربعة أشكال أو وجوه وهي:
آ-الترتيب النظامي الذي يتبع خط سير زمني متجه دوماً في اتجاه واحد من الماضي نحو المستقبل أي أنه كما وجدنا سابقاً هو سرد تاريخي. والمثال الأول الذي سقناه ينطبق على ذلك.
ب-الرجوع إلى الوراء وهو الاتجاه بالأحداث نحو الماضي أي بعكس اتجاه عقارب الساعة.
مثلاً: "استولى نابليون على الحكم في فرنسا عام 1814 وقد كان ضابطاً بالجيش الفرنسي إبان الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789".
ج-التسبيق نحو الأمام: على العكس من ذلك فبإمكان القاص أن يقفز إلى الأمام عبر الزمن ويسبق الأحداث حيث يبتعد عن الحدث الرئيسي الذي يكون قد سرده أولاً. مثال: "بينما كان الطالب(1) يتجه نحو قاعة الامتحان(2) أخذت فكرة تنساق إلى ذهنه عن مستقبله بعد التخرج وكيف سيكون(3) بإمكانه متابعة دراسته للتخصص في الخارج فازداد(4) ثقة بنفسه ودخل(5) القاعة بكل اطمئنان".
نرى في هذا المثال أن الأفعال: كان يتجه(1)، وأخذت(2) وازداد(4) ودخل(5) تتابع بشكل نظامي غير أن الفعل "سيكون بإمكانه(3)" يشذ عنها إذ يقذف بالقارئ نحو زمن مسبق.
د-اللا ترتيب: بإمكان القاص أن يخرج عن نطاق الزمنية ويورد تفاصيل تنطبق على كل زمان وكل مكان. مثلاً: "أن قطرة واحدة من الماء تحوي على عدد لا يحصى من الكائنات الحية المتناهية في الصغر لو نظر أحد إليها بالمجهر الإلكتروني لرأى العجب". في هذا المثال ليس هناك تتابع زمني لأحداث معينة.
2-المدة: الترتيب هو مراقبة ما إذا كان الحدث يأتي قبل أو بعد أو أثناء حدث آخر أما المدة فهي مجموع اللحظات التي يستغرقها الحدث وكذلك مجموع اللحظات التي تفصل حدثاً عن آخر. ولا بد من ملاحظة شيئين اثنين مرتبطين بالفصل بين التاريخ والسرد. وهو أن التاريخ يقاس بالزمن الحقيقي الذي يستغرقه الحدث أما السرد فيقاس بالزمن الذي تستغرقه قراءة أو حكاية هذا الحدث. فالسرد يوجد على صفحات القصة بينما التاريخ يوجد على بساط الحقيقة.
مدة التاريخ تقاس بالثواني أو الدقائق أو الساعات أو الأيام أو الأسابيع أو الأشهر أو السنوات أو القرون. ومدة السرد تقاس بالزمن الذي تتطلبه قراءة الأحداث ولكنه يقاس أيضاً بعدد السطور أو الفقرات أو الصفحات أو الفصول التي يستغرقها حدث أو مجموعة أحداث. وهذه أمثلة على ذلك تحدد أشكال المدة:
آ-المشهد: هو الشكل الذي تتساوى فيه مدة التاريخ ومدة السرد كما يحدث تماماً على خشبة المسرح مثال: "تناول(1) معطفه ومقلته وانطلق(2) من بيته. وبينما هو على الباب صادف(3) جاره فحياه(4) واتجه(5) نحو موقف الحافلة الكائنة بالقرب من مدخل البيت".
نلاحظ في هذا المثال أن المدة التي يستغرقها التاريخ من أول فعل حتى آخر فعل لا تتعدى الدقيقة وكذلك فإن المدة التي يستغرقها سرد هذه الأفعال لا تتعدى الدقيقة.
أي بالرموز ت= دقيقة واحدة ن= دقيقة واحدة
أي ت= ن أو بالإمكان أن نقول أن مدة التاريخ (دقيقة) استغرقت سطرين فقط أي أن سرعة السرد= نصف دقيقة في السطر الواحد.
ب-العجالة: هي الشكل الذي تكون فيه مدة التاريخ أي مدة وقوع الأحداث أطول من سردها. مثال على ذلك:
"نشأ ذلك الطفل في جو عائلي مليء بالعلم وحصافة الرأي وما أن اشتد عوده وقوي ساعده حتى انبرى يقارع أعداء وطنه الصهاينة المحتلين": في هذا المثال يمتد زمن التاريخ المطروق من الطفولة حتى سن الشباب أي حوالي عشر سنوات أما مدة سرد هذا التاريخ فلا يتعدى السطرين.
أي أن ت > ن (التاريخ أطول من النص) أو مدة التاريخ أطول من مدة قراءة النص وهذا ما يميز العجالة التي تحتوي بالضرورة على مدة طويلة محكية في فترة وجيزة. أما سرعة السرد فهي 10 سنوات في سطرين أي بمعدل 5 سنوات لكل سطر.
ج-التباطؤ: إن الصورة التي يتلقاها القارئ أو يسمعها من القاص عن الأحداث تكون سريعة الأحداث أو ذات سرعة توافق الحقيقة (مشهد) أو ذات سرعة بطيئة وهذا يتوقف على الفرق بين طول مدة التاريخ ومدة حكاية هذا التاريخ فإذا كانت مدة سرد الحديث أطول من مدة وقوع الحدث يصبح الشكل القصصي تباطؤاً أي يصبح ت < ن (أي مدة قراءة النص أطول من مدة وقوع الحدث).
وهذا مثال على شكل التباطؤ:
"رفع الفلاح النشيط يده الملأى بالبذار وقبل أن ينثرها عبر الحقل المترامي الأطراف بدت ذراعه المرفوعة وكأنها تبلغ عنان السماء لتلمس الغمام وما إن بدأت هذه الذراع القوية في الهبوط حتى بدت للناظر وكأنها ترسم في الأفق خطاً رحباً يطال بالخير والعطاء الحقول الممتدة على مرمى البصر وما إن انتشر الحب حتى تلقفته الأرض الطيبة بحنين واشتياق.
في هذا المثال أحد عشر فعلاً تتم في فترة ربما لا تتعدى كلها الثانية الواحدة لأن الحركة التي يقوم بها الفلاح هي بطبيعة الحال حركة سريعة إلا أن سرد تفاصيلها يتم في فترة أطول من التي تستغرقها هي في الواقع. إذن هنا التاريخ أقصر من السرد لأن السرد يستغرق حوالي الدقيقة في هذا النص أي 60 ثانية.
ومن هذه المعطيات نستنتج أن ن > ت
ولزيادة إيضاح هذا الشكل من أشكال الفن القصصي نورد مثالاً من جاهز الرائي "التلفزيون" الذي يلجأ فيه إلى ذلك الأسلوب البطيء. فبالإمكان بالنسبة لرمية كرة يقوم بها لاعب يدخل فيها الكرة نحو الهدف أن يبطئ معد البرنامج شريط المباراة بحيث ترى تفاصيل الرمية بشكل بطيء جداً كي نتبع مسير الكرة التي تصطدم أولاً بعارضة المرمى ثم ترتد لتلمس أحد اللاعبين وتصطدم به وتعود ثانية لتستقر داخل شباك المرمى. في حقيقة الأمر كل هذه المراحل لا تستغرق أكثر من مدة ثانية غير أن الصور المتحركة على جهاز الاستقبال تستغرق ما يقارب الدقيقة.
وبالمثل فإن التباطؤ في قص حدث مثل هذا يمكن أن يستغرق وقتاً أطول من حقيقة وقوعه.
ويستغل القاصون هذا الأسلوب للتركيز على أهمية الأحداث الداخلة في مجال التباطؤ لدرجة أن الحدث يتحول إلى شبه وصف يتأمله القارئ أو السامع أو المشاهد ويستنبط منه العبر.
د-الوقف: إن التباطؤ حين يبلغ غايته يبدو الزمن وكأنه توقف عن الجريان أي أن التاريخ لا يتمتع بأي مدة لأنه ينعدم نهائياً بينما يستطيل النص في مدته الزمنية وهذا الشكل القصصي ينطبق على الوصف لوجه إنسان أو منظر طبيعي أو حالة نفسية معينة. وينقلب السرد إلى لوحة فنية مصاغة من كلمات متعددة. مثال:
"كانت عين الطفل الساذج تلمع ببريق أخاذ وكأنها بؤبؤ قطة وديعة تستجدي الناس بنوائها المؤثر وكان شعره العسجدي يلمع تحت الشمس الساطعة وكأنه يعكس لآلئ من نور على الخضرة الممتدة من تحته. هكذا كانت صورة الطفل حين دمعت عينه".
في هذا الوصف يتوقف الزمن عن الجريان أي أن الأفعال الواردة لا تخص تطوراً زمنياً حين ننتقل من أحدها إلى الآخر. ورياضيات نذكر أن ت =. بينما ن = عدداً ما.
هـ-الحذف: إن فن القصة يتطلب من القاص معرفة كل الأساليب والحيل التي تساعده على المضي قدماً في سرد الأحداث. ومن بين هذه الحيل إغفال أحداث تستغرق زمناً معيناً يطول أو يقصر. والحذف يساعد على زيادة سرعة الوصول إلى نهاية القصة وهو نفسه عنصر من عناصر العجالة والتسبيق. والحذف هو نقيض الوقف أو عكسه. أي أن ت= مدة زمنية معينة بينما ن=. أي بالرغم من جريان الزمن يغفل الكاتب الأحداث الواقعة فيه ويحذف كل الكلمات التي تتكلم عن ذلك الزمن.
ولكي يكون الأمر واضحاً بالنسبة للعوامل الخمسة التي تشكل المدة وفن استعمالها من قبل القاص فيما يلي تخطيط بياني لها.

في هذه الرسوم التوضيحية نرى أنه على المحور (ت) (التاريخ) تكون المدة مساوية لمدة قراءة النص على المحور (ن) في حالة المشهد. بينما يكون زمن التاريخ أطول من زمن قراءة النص في حالة العجالة. وعكس ذلك بالنسبة للتباطؤ.
3-التردد: هو عبارة عن عدد المرات التي يتكرر فيها أحد الأفعال أو الأحداث أو الأعمال.
فإذا كان يحدث عدة مرات يسمى تكرارياً.
مثال على الأفراد:
"اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939 بعد أن غزت القوات الهتلرية أراضي بولونيا".
إن الحدثين "اندلعت" و "غزت" يتمان مرة واحدة.
مثال على التكرار:
"كل يوم يطلع عليه الشمس تزداد عزيمة الشعب الفلسطيني على متابعة انتفاضته العتيدة ويقدم الأهالي مزيداً من الضحايا على مذبح الفداء".
إن الأفعال الثلاثة "يطلع" "تزداد" و "يقدم" تتكرر مرات عديدة.
بعد هذا العرض الشامل لعوامل الفن القصصي نتطرق إلى التطبيق فلا جدوى من طريقة أو نظرية إذا لم يؤيدها التحقق منها على الساحة العملية.
وسنعرض فيما يلي طريقة عملية لتحليل الفن القصصي في نص قصصي وهو عبارة عن بداية قصة قصيرة كتبها الدكتور أحمد زياد محبك ضمن المجموعة القصصية المعنونة بـ "يوم لرجل واحد".
تطبيق الطريقة الزمنية القياسية (عرض مبسط)
قبل الشروع بتحليل نص قصصي قصير هذه نبذة عما يتوجب على الدارس فعله لدى تطبيق هذه الطريقة:
1-الترقيم.
-يتوجب قبل كل شيء أن يعطي الدارس لكل فعل رقماً حسب ترتيب وروده في النص.
2-اللحظات الرئيسية: يجب البحث عن اللحظات التي تتم فيها الأحداث الرئيسية في النص.
تلك اللحظات يمكن استشفافها بمراقبة الظروف الزمنية والمكانية وأزمنة الأفعال وبعض التواريخ أو التواقيت التي قد يمنحها النص لنا.
3-ترتيب اللحظات الرئيسية حسب تاريخ ورودها الزمني المنطقي:
إذ أنه غالباً ما يكون ترتيب الأحداث في النص مختلفاً تماماً عن ترتيب وقوعها التاريخي ومن ثم نعين بالنسبة لكل لحظة رئيسية الشخصيات التي تشترك بالأحداث وكذلك مكان وقوع الحدث.
4-رسم محوري التاريخ (ت) الأفقي والنص (ن) (العامودي) وتعيين اللحظات الرئيسية على المحور (ت) والأفعال في النص حسب أرقامها على المحور (ن). ومن ثم استنباط تقاطع كل فعل مع لحظة وقوعه. وأخيراً ينتج الخط البياني (س) الذي يظهر التعرجات المختلفة المعبرة عن الفن القصصي المتبع في النص من قبل القاص.
5-شرح العوامل الفنية التي تظهر واضحة على المحورين المرسومين وتشمل: الترتيب والمدة والتردد.
وخير شرح نورده لهذه الطريقة هو أن نشرع فعلاً في تحليل النص التالي المقتبس من بداية أقصوصة "مقهى 2000" لأحمد زياد محبك. وفيما يلي ذلك النص:
مقهى ألفين (2000)
حين دخل ابني بسيارته في الشارع المؤدي إلى المقهى أخذت أرسل بصري عبر زجاج السيارة إلى نهاية الشارع استشرف المقهى، متشوقاً إلى رؤيته. وقبل أن نبلغه، قال لي:
"إذا رأيت المقهى فلن تعرفه، وإذا عرفته فسوف تستاء كثيراً".
"ولماذا"؟
"لأنه تغير، وأنت ألفته على شكله القديم"
"لا تقل هذا، فأنت تعرفني جيداً، في العام الماضي رأيتني أمام أحدث أجهزة المعالجة الفيزيائية في مستشفى والاس، سبقتك إلى فهمها والتلاؤم معها، هل تنكر ذلك؟".
فأجاب بهدوء: "لا بد من الإقرار يا أبي بأنك في شباب دائم".
وصمت على مضض، وأنا أرسل بصري إلى الأمام، مستشرقاً المقهى.
لم يتح لي أن أحضر حفل افتتاح مقهى 2000 على الرغم من بطاقة الدعوة التي وجهها إلي صديقي صاحب المقهى، فقد كانت ملازماً الفراش، إثر وعكة ألمت بي، وكانت أحد مظاهر الهرم والعجز، وقد بالغ في تأكيد ضرورة لزومي الفراش، وبعد شيء من التحسن، استطعت إقناعه برغبتي في زيارة المقهى ولقاء أصحابي القدامى، وقد وعدته ألا أدخن شيئاً من السكائر وألا أتناول شيئاً من الشاي أو القهوة، ووضعت في جيبي علبة الدواء، وخبأت سيكارتين في الجيب الداخلي للمعطف، وعزمت على احتساء فنجان قهوة.
وعلق بصري بالمقهى، وقد أشار إليه ابني.
تحليل النص:
1-لدى ترقيم الأفعال نستنتج أن لدينا 35 فعلاً.
2-لحظات التاريخ الرئيسية حسب ورودها في النص:
آ-لحظة الدخول في الشارع المؤدي إلى المقهى وفيها الأفعال 1، 2، 3، 4، 5 ويدل عليها ظرف الزمان "حين".
ب-لحظة رؤية المقهى ويعبر عنها الأفعال 6، 7، 8، 9.
ج-لحظة تغير المقهى (يعتبر هذا التغير متزامناً مع حفل افتتاحه) ويشمل ذلك الفعل 10.
د-الزمن الذي كان يتردد فيه الأب على المقهى قبل تغيير بنائه ويشمل الفعل 11.
هـ-لحظة الدخول في الشارع المؤدي إلى المقهى وفيها الأفعال 12، 13.
و-لحظة المعالجة في والاس في المستشفى: "في العام الماضي" ويوافق ذلك الفعلين 14، 15.
ز-لحظة الدخول في الشارع وفيها الأفعال: 16، 17، 18، 19.
ح-لحظة افتتاح المقهى الذي وافق زمن مرض الأب وفيه الأفعال: 20، 21، 22، 23، 24، 25، 26 ويدل على هذه اللحظة شبه الجملة الظرفية: "إثر وعكة ألمت بي".
ط-لحظة التحسن في المرض ويدل عليها شبه الجملة الظرفية: "بعد شيء من التحسن" وتعبر عنها الأفعال التالية: 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33.
ي-لحظة رؤية المقهى ويعبر عنها الفعلان: 34، 35.
3-ترتيب اللحظات الرئيسية حسب تسلسلها التاريخي مع وضع الشخصيات والأمكنة:
نلاحظ أن اللحظات العشرة (من الألف إلى الياء) في المرحلة السابقة تحتوي على لحظات متطابقة إذ أن اللحظة (أ) واللحظة (هـ) واللحظة (ز) تخص الدخول إلى شارع المقهى. وكذلك لحظة رؤية المقهى تتكرر مرتين في النص (اللحظة ب واللحظة ى).
أما بالنسبة للحظة ج أي لحظة تغير المقهى فتوافق أو تزامن لحظة افتتاح المقهى ومرض الأب وذلك بالنسبة للحظة (ح).
ومن ذلك نستنتج اللحظات الرئيسية حسب تسلسلها التاريخي كما يلي:
1-لحظة المعالجة في والاس (في العام الماضي): المكان (الولايات المتحدة) الشخصيات: الأب والابن.
2-اللحظة التي كان يتردد الأب فيها على المقهى القديم قبل المرض.
3-لحظة المرض والحفل.
4-التحسن في المرض (المكان: البيت).
5-دخول شارع المقهى (المكان: السيارة).
6-رؤية المقهى (المكان: السيارة).
إن الشخصيتين الوحيدتين اللتين تشكلان الأحداث في النص هما الأب والابن.
4-رسم محوري التاريخ (ت) والنص (ن) واستنتاج خط سير السرد (س)

  

5-شرح عوامل الفن القصي: لدى ملاحظة المحورين المرسومين نستنتج العوامل التالية:
أ-الترتيب:
-تبدأ الأقصوصة بإيراد لحظة دخول الأب والابن بسيارتهما في شارع المقهى وذلك يتتابع من الفعل الأول حتى الفعل الخامس (وهذا يسمى قصاً نظامياً لأنه يتبع اتجاه الزمن من الماضي إلى المستقبل).
-ثم تأتي لحظة فيها تسبيق بالنسبة لزمن المحادثة بين الأب والابن. هذا التسبيق يخص الأفعال 6، 7، 8، 9 حيث يستبق الابن رد فعل الأب تجاه رؤية المقهى بقوله: "إذا رأيت المقهى فلن تعرفه، وإذا عرفته فسوف تستاء كثيراً".
-ومن الفعل (9) كما يرى في الرسم البياني هناك عودة إلى الوراء نحو زمن المرض في الفعل 10.
-ثم يستمر هذا الرجوع حتى لحظة ما قبل المرض في الفعل (11): "أنت ألفته على شكله القديم".
-ومن الفعل (11) يعود السرد إلى لحظة المحادثة الرئيسية بين الأب وابنه في الفعلين (12) و (13).
-وبعد الفعل (13) يعود بنا النص القهقري 14 و 15 اللذين يتم وقوعهما قبل عام من اللحظة الرئيسية للنص (إن لحظة المحادثة في السيارة). ومكان وقوع الفعلين (14) و (15) هو الولايات المتحدة (والاس في المستشفى).
-ومن الفعل 16 إلى الفعل 19 هناك متابعة للمحادثة في السيارة وهو ترتيب نظامي.
-ومن متابعة سير الخط البياني نرى رجوعاً نحو الوراء أي نحو المرض الذي ألم بالأب ويشمل ذلك نصف فقرة من النص أي الأفعال 20، 21، 22، 23، 24، 25، 26.
-وبعد ذلك هناك انتقال من لحظة المرض إلى لحظة التحسن في المرض. وذلك في الأفعال 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33.
-وأخيراً فإن النص يعود بنا إلى الترتيب النظامي أي لحظة المحادثة التي تنتهي برؤية المقهى اعتباراً من السيارة أي في الفعلين 34، 35.
وبالمختصر هذه هي العوامل القصية في الترتيب من خلال ملاحظة الخط سر (السرد):
نظامي: من الفعل (1) إلى الفعل (5)
تسبيق: من الفعل (6) على الفعل (9)
رجوع: في الفعلين (10، 11).
نظامي: في الفعلين 12، 13.
رجوع: في الفعلين 14، 15.
نظامي: في الأفعال 16، 17، 18، 19.
رجوع: في الأفعال من 20 إلى 26.
رجوع: في الأفعال من 27 إلى 33.
نظامي: في الفعلين 34، 35.
ب-المدة:
في عنصر المدة علينا ملاحظة تشكل كل من عوامل المشهد والعجالة والتباطؤ والوقف والحذف ومدى طبيعة كل منها في تكوين الحبكة القصصية في النص.
-المشهد:
ليس من الصعب استنتاج أن الطابع الغالب على النص هو مشهد المحادثة التي ترافق سير الأب والابن بالسيارة نحو المقهى الجديد. والحبكة منصبة على إثارة فضول القارئ من خلال فضول الأب نفسه لمعرفة مقدار التغير الحاصل للمقهى. والدليل على غلبة المشهد في النص هو أنه يحتوي على ثلاثة عشر فعلاً يتم وقوعها لحظة هذه المحادثة.
إن هذا المشهد الذي تتساوى فيه مدة وقوع الأحداث مع مدة سردها أو قراءتها لا يستغرق أكثر من دقيقة وكذلك مدة قراءته لا تتعدى الدقيقة. إذن ت = ن.
-العجالة:
إن المشهد المشار إليه آنفاً بحاجة إلى عوامل أخرى ترفده وتوضح ما غمض على القارئ وتفسر بعض الحوادث التي تقع فيه مثل تبرير زيارة المقهى التي استدعاها التغير الحاصل له وكذلك مرض الأب.
أما مقاطع العجالة في النص والتي تتخلل المشهد الرئيسي فهي تشمل الأفعال: 10، 11، 14، 15، أي: "تغير"، "ألفته"، "رأيتني"- "سبقتك" وهذه الأفعال الأربعة تعرض بإيجاز الفترة الواقعة قبل تغير المقهى وتمتد حتى زيارة الأب لأمريكا للمعالجة.
وهناك مقطع آخر يشمل مسافة زمنية طويلة تسبق لحظة زيارة المقهى (أي لحظة المحادثة الرئيسية). هذا المقطع يمتد من الفعل (20): "لم يتح لي" وحتى الفعل (33) أي يشمل فقرة كاملة ذات سبعة أسطر تقريباً: وحتى: "عزمت على احتساء فنجان قهوة" بالنسبة لتقدير المدة التي تفصل بين بداية مرض الأب وحتى لحظة توجهه نحو المقهى بعد تغييره فربما بإمكاننا أن نقدرها ببضعة أيام.
أي حسابيات = عدة أيام ن= دقيقة أو سبعة أسطر
إذن ت > ن وهذه هي معادلة العجالة.
-التباطؤ: لا يوجد تباطؤ واضح بالنص.
-الوقف: لا يوجد وقف بالنص لأنه ليس هناك وصف يتوقف فيه الزمن.
-الحذف: إن المشهد منذ بدايته في النص حتى نهايته يتتابع زمنياً وتاريخياً. رغم أنه يتخلله مقاطع من العجالة.
ج-التردد: أن النص برمته يعبر عن أحداث جرت مرة واحدة أي لا يتكرر وقوعها عدا الفعل (11) الذي يعبر عن تكرر حدث التعود على شكل المقهى القديم من قبل الأب: "وأنت ألفته على شكله القديم".
خاتمة:
بعد هذا التحليل نورد تقويماً للنتائج التي توصلنا إليها وللآفاق التي يمكن أن نفتحها أمامنا هذه الطريقة وكذلك علاقتها بطرق أخرى عديدة ترفدها وتغذيها وتكملها.
1-إن الوحدة الرئيسية الفاعلة في نص قصصي قصير لا يتعدى الصفحة أو الصفحتين هي الفعل الذي يمثل الحدث ويشار إليه برقمه حسب وروده في النص بشكل متسلسل.
2-إن هذه الطريقة تطبق على النص بالغاً ما بلغ طوله غير أنه يجب إدخال تعديلات طفيفة منهجية على أسلوب التطبيق. فحين يكون التحليل منصباً على فصل كامل من قصة فالأولى بنا بدلاً من أن نتخذ الفعل وحدة رئيسية في النص تصبح الفقرة هي الوحدة الرئيسية وحينئذ ننظر إلى كل فقرة من خلال القيمة الزمنية للأغلبية العظمى من أفعالها والتي تكون فيما بينها سمات مشتركة تطبع الفقرة بأكملها. ويجب في هذه الحالة أن نرقم كل فقرة حسب تسلسلها في الفصل بدلاً من أن نرقم كل فعل بمفرده.
3-إذا كان ما هو موضوع للتحليل قصة طويلة وجب حينئذ ملاحظة كل فصل من فصولها وترقيمه واتخاذه الوحدة الرئيسية. وبعدئذ نلجأ إلى رسم المحورين واستنباط العوامل الفنية في القصة كما ورد آنفاً.
4-إن هذه الطريقة لا تتعارض مع الطرق الأخرى العديدة بشتى مذاهبها ومصادرها وتظهر هذه الطريقة فعاليتها خاصة في أي نثري أو شعري تكون فيها مجموعة أحداث يتخللها وصف أو محادثة. ونورد مثلاً طرق نظريات التعبير التي تركز على الفصل بين السرد والخطاب (أي بين القص والمحادثة) وكذلك طرق التحليل النحوي والصوتي والأسلوبي الذي يدخل من بين ما يدخل ملاحظة الأفعال وأزمانها وأدوات التعريف والصور البيانية وطبيعة الأصوات ذات الجرس الموسيقي الإيحائي وغير ذلك مما يصعب ذكره نظراً لتشعبه وتعدد سماته.
5-إن الرسم البياني له أهمية كبرى من حيث أنه يصور بالعين المجردة الحركة التي يقوم بها الفكر باجتياز الزمن، تلك الحركة التي تطبع كل قص مهما كان نوعه. فالقاص ومعه القارئ يزرع الزمن والتاريخ جيئة وذهاباً قصد الإحاطة بكل ملابسات القصة والتحليق بالخيال إلى لحظات مختلفة الرابط بينها يبقى الزمن التاريخي المنطقي الذي فطر عليه الإنسان وأصبح جزءاً من تكوينه الفكري.

*)- مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العددان 237 و 238 كانون الثاني و شباط 1991
راسلـني