Featured Video

 

رثاء مؤجل

- 1 –

بعد احتلال الكويت عام 1990 أصيب رفيقي وصديقي إلياس مسوح بالجلطة الأولى 
وعند تحريرها على أيدي القوات الأمريكية أصيب بجلطة ثانية 
وفي « أم المعارك » أصيب « بأم دم »
ورغم أنني انتهيت بعكاز واحد وهو باثنين وبأنابيب الأوكسجين في فمه وأنفه وبنطلون من الأوردة والشرايين الصناعية 
ظلّ مرشدي الطبي والعاطفي واللغوي والاستراتيجي ثم انصرف إلى قريته مرمريتا للإشراف على المرضى والمعوزين من أبناء جلدته 
وانصرفت أنا إلى حالي بعد أن فقدت القدرة والمزاج لمتابعة أية أخبار 
وما من صديق موثوق بجانبي 
ولا أعصاب تحتمل واقعاً جديداً وخريطة جديدة وأحلاماً جديدة 
حتى مجريات الحرب الراهنة تتناهى إلى مسامعي صدفة من الجيران أو مندوبي المبيعات المنزلية من مكانس ومنظفات وغيرها 
وبما يمضي من الوقت أقضيه متثائباً في فراشي على مدار الساعة 
وكنا نتبادل : 
السلامات 
والتحيات 
والقبعات 
والقمصان 
وأسماء الأدوية 
وعندما احتفل كل منّا بعيد ميلاده السبعين 
تبادلنا الأنخاب 
ولم يبق ما نفعله بعد ذلك 
سوى تبادل القبور والمقابر 
وفجأة صرخت :
أي فجر عظيم اختفى ؟

- 2 –

لم أكن مستعداً لكل هذا الظلام 
كنت أعتقد أن كل شيء مؤجل 
حتى يصفو الجو وتندثر الفلول 
بعد أن طاردناها وطاردتنا طويلاً 
ويقتنع التاجر أن هناك حساباً آخر 
غير المدوّن في دفاتره
وأنه سيتم ترسيم الحدود بين الجنة والنار 
والحزن والفرح 
كما ترسم حدود الممالك والإمارات 
بعد أن تضع الحرب أوزارها 
ويستقر طوفان الدماء على رأي !
ومع ذلك 
كل هذه الدموع التي كنت سأذرفها 
في المآسي المقبلة 
رهن إشارتك .
ولكنّي مضطر لتقنينها لأننا في زمن حرب !
وأنت تعرف قبل سواك 
كم يلزمنا من دموع ومناديل ودق صدور ولطم خدود !
هل نستوردها من المسلسلات المصرية والهندية ؟
على كل حال 
بأجمل الأقلام والألوان 
سأرسم الهلال الخصيب على قبرك
و أجمل الزهور والفراشات 
و الطيور التي كنت بارعاً في اصطيادها 
و لكن المشكلة كما يقول أحد اليتامى : 
« ما من قبر جميل في العالم » !!
و مع ذلك سأرسم عليه نجمة داوود 
لتكون كلمتك مسموعة في الدنيا وربما في الآخرة .

 

راسلـني